سوريا .. بين الجنّة و النار..
كتب غسّان حلواني

إنّ الإتفاق الرسمي الذي حصل ، بين الرئاسة السورية ممثلة بالرئيس أحمد الشرع، و قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، ممثلة بقائدها مظلوم عبدي، لهو أمر غاية في الأهمية، بالنسبة لمستقبل الصراع و الفصائل في سوريا . و هذا الأمر لا ينعكس على سوريا وحدها، بل تصل إرتداداته لتغطي الإقليم ،
وله دلالات سياسية وعسكرية عميقة ، إذ يعكس واقعية سياسية تفرضها تعقيدات الصراع السوري وتداخل المصالح الإقليمية والدولية.
تاريخيًا، شهدت مناطق النزاعات تحالفات مماثلة، حيث تتجاوز الفصائل المتناحرة خلافاتها الأيديولوجية من أجل تحقيق أهداف مشتركة. في الحرب العالمية الثانية، على سبيل المثال، تحالفت قوى ذات توجهات مختلفة ضد عدو مشترك، وهو ما يذكرنا بأن البراغماتية السياسية غالبًا ما تتغلب على الخلافات الأيديولوجية في أوقات الأزمات. وفي التاريخ الحديث أمثلة عدة، منها تحالفات بين فصائل مختلفة في حروب أهلية وإقليمية، حيث تفرض الضرورات العسكرية والسياسية واقعًا جديدًا على الأرض.
يرى علماء السياسة في مثل هذه التحالفات تجسيدًا لمفهوم “الواقعية السياسية”، الذي يؤكد أن الدول والجهات الفاعلة تسعى إلى تحقيق مصالحها الذاتية بغض النظر عن الاعتبارات الأخلاقية أو الأيديولوجية. كما يشيرون إلى أن هذه التحالفات غالبًا ما تكون مؤقتة وقابلة للتغيير، حيث تتغير المصالح والظروف.
من وجهة نظر الواقعية السياسية، كلا الطرفين يواجهان تهديدات مشتركة، سواء من فلول النظام السوري أو من قوى إقليمية أخرى. هذا يدفعهم إلى التعاون من أجل البقاء وتعزيز نفوذهم. ويسعى كلا الطرفين إلى تغيير موازين القوى في المنطقة، سواء من خلال تعزيز قدراتهما العسكرية أو من خلال تشكيل تحالفات جديدة تحت مظلة إسمها الدولة السورية ، و ويقلل من الإعتمادها على القوى الخارجية، ويشير إلى إمكانية تشكيل تحالفات محلية قوية قادرة على التأثير في مستقبل البلاد هذا الاتفاق يعزز من شرعية النظام الجديد، و يعطي صك غفران لـ “قصد” بكل ما سلف.
من حيث التوقيت، جاء هذا الاتفاق كرد سياسي وعسكري قوي في وجه فلول نظام بشارالأسد ، بعد أيام صعبة عصفت بالساحل السوري لاسيما في اللاذقية و طرطوس، تترجمت إشتباكات مسلحة بين الشرعية الجديدة و فلول الأسد ، لتنتهي مرحليا ً بكلمة عليا للشرعية الجديدة، مؤكدةعبر وزارة الدفاع السورية أنها أمّنت الساحل ووضعت خططًا جديدة لملاحقة “الفلول” في المنطقة.
قد لا تكون الإشتباكات التي حصلت بهذه البساطة، إذ لا بد من التذكير بتداخل و تشابك المصالح الإقليمية والدولية في سوريا ، وأي اضطراب فيها يمكن أن يستغل من قبل أطراف مختلفة لتحقيق مصالحها. و الذي من الممكن ان يتفق عليه أن ما حصل هو محاولات لزعزعة الاستقرار في سوريا، سواء من قبل قوى داخلية أو خارجية. و من الصعب تحديد راعٍ إقليمي واحد لهذه الأحداث، حيث أن الوضع السوري معقد ومتداخل.
و بالعودة الى الاتفاق بذاته، الذي من المحتمل أن تكون هناك قوى إقليمية أو دولية قد لعبت دوراً في تسهيله ، فهو حتما ً قابل للإستثمار داخليا ً، ويؤشر الى حدوث تحولات جذرية في التحالفات القائمة في سوريا.
و بما أنه لا ورد بلا شوك، يواجه هذا الاتفاق تحديات كبيرة، خاصة فيما يتعلق بتوحيد الرؤى والأهداف بين الطرفين، مما قد يؤدي إلى توترات جديدة مع قوى أخرى في المنطقة.
يمكن أن يؤدي هذا الاتفاق إلى تغيير موازين القوى في المنطقة، خاصة في شمال سوريا، مما قد يدفع القوى الإقليمية والدولية إلى إعادة تقييم استراتيجياتها في سوريا.
و هناك نقطة غاية في الأهمية، هي أن هذا الاتفاق سيعيد حتما ً توزيع النفوذ السياسي و العسكري في الشمال السوري، و قد يؤثر على مستقبل الوجود الامريكي في المنطقه. و أمريكا دائما ً جاهزة لخطط جديدة من الفوضى الخلّاقة .
وبالسياسة بعيدا ًعن الطمع الاقتصادي، يظهر في الصورة إسرائيل التي تراقب الوضع السوري عن كثب، وتسعى لمنع أي تهديد لأمنها. وإيران لن تدّخر جهدا ً في إعادة مدّ ذراعها الى سوريا و عبر سوريا الى لبنان. وروسيا: لها وجود عسكري في سوريا، لا يمكن ان تفرط به. وتسعى بعض دول الخليج لتقليل النفوذ الإيراني في سوريا.
بإخنصار، إن هذا الاتفاق الذي تحقق، سيؤثر على مستقبل الصراع السوري وعلى التوازنات الإقليمية. وسيطرح تحديات جديدة أمام القوى الدولية والإقليمية التي تسعى إلى تحقيق مصالحها في المنطقة.

شاهد أيضاً

الحل بإصلاح النظام السياسي وتطبيق مبدأ الشفافية والمساءلة

من المعروف أن الحصص الطائفية والسياسية والحزبية تؤثر سلبا”في أداء الدولة والحكومة في مختلف المجالات …