٢٢ شباط ١٩٥٨ ، الحنين إلى الوحدة في زمن الانحدار العربي القاتل \ نبيل الزعبي

عندما حدد حزب البعث العربي الاشتراكي أهدافه الاستراتيجية بالوحدة والحرية والاشتراكية ، جعل لهدف الوحدة اولوية على الهدفين الآخَرَيْن من منطلق ان لا امكانية للتحرر من المستعمر سوى بالوحدة ولا امكانية للاشتراكية دون الافق القومي الوحدوي ،
وانسجاماً مع هذه الثوابت كان للحزب اولى تجارب التطبيق عندما عزم على ان يتّحِد قِطرَي مصر وسوريا ضمن إطار الجمهورية العربية المتحدة في الثاني والعشرين من شهر شباط عام ١٩٥٨ وقبوله بحل التنظيم الحزبي في كل من القطرين بناءً على رغبة الرئيس جمال عبدالناصر معتبراً ان هذه الوحدة أسمى ، حتى من وجود التنظيم الحزبي وتلك سابقة انعكست سلباً على الحزب فيما بعد واخذت حيّزاً واسعاً من النقد والنقد الذاتي داخل المؤتمرات الحزبية التي اعتبرت ذلك خطأً استراتيجياً في حين رأى فيه القائد المؤسس للحزب الاستاذ ميشيل عفلق فرصةً تاريخيةً لا يمكن تجاوز إيجابياتها كتحقيق اللبنة الأساسية المطلوبة للوحدة العربية كاحد الأهداف السامية التي يتوق اليها العرب بعد مؤامرة تقسيمهم على ايدي الإنكليزي سايكس والفرنسي بيكو بعد انهيار الإمبراطورية العثمانية واقتسام نفوذها تحت مسمى الرجل المريض عبر ما تم تحديد كل ذلك بالمسألة الشرقية .
قد يكون الحزب ولغاية اللحظة الراهنة ، يدفع أثمان إيمانه بالوحدة راغباً بذلك لا مُجبَرَاً ، حين واجه المتّصدين لوحدة سوريا ومصر على اكثر من صعيد خارجي وداخلي بعد ان اعتبر العدو الصهيوني ان هكذا وحدة تمثل امتلاك العرب للقنبلة الذرية بحد ذاتها فسعى إلى إفشالها بشتى طرق التآمر مستغلاً كل ثغرةٍ فيها كبيرةً كانت ام صغيرة ، ساعدها في ذلك ما عملت عليه قوى الرجعية العربية والغباء المخابراتي الذي فضّل الأجهزة الامنية على المؤسسات الشعبية في دعم الوحدة وحمايتها فتُرِكَ لمكتب عبدالحكيم عامر ان يتدخل في كل شاردة وواردة تتعلق بالإقليم الشمالي ، سوريا ، وجرى إبعاد كوادر حزبية وعسكرية اساسية من سوريا الى الإقليم الجنوبي ، مصر ، بذريعة تبادل المسؤوليات فهُمِّش هؤلاء كما هُمِّشت مواقع اساسية أخرى سواء في الوزارات ام نيابة الرئاسة لصالح الاجهزة التي وجدت نفسها عاجزة عن مواجهة مؤامرة الانفصال في ٢٨ ايلول ١٩٦١ ناهيك عن ما رافق ذلك من حقدٍ على الاستاذ ميشال عفلق تحديداً من قِبَل اعضاء في المجموعة العسكرية السورية التي نُقِلَت إلى مصر ايام الوحدة ووجدت ان لا دور لها سوى في المهام الصورية التي اوكِلَت اليها فعادت إلى بلدها بعد الانفصال تحمل كل هذه الاحقاد التي بدأت ملامحها بعد انقلاب الثامن من آذار ١٩٦٣ لتتظهّر كلّياً في الانقلاب على الشرعية القومية للحزب في ٢٣ شباط ١٩٦٦ وتُدخِل القطر العربي السوري في النفق الواسع من الممرات المذهبية على حساب كل المكوّنات الوطنية والدينية فكان من نتائجه المدمّرة هزيمة الخامس من حزيران ١٩٦٧ وانقلاب المتكتلين على بعضهم قبل ان ترسو الضفة لصالح نظام حافظ اسد وابنه الذي استمر من تشرين ١٩٧٠ لكانون اول ٢٠٢٤ وما الحقه من تشويه للوحدة ومعانيها وتشويه البعث فكراً وممارسةً ومضموناً ولم يختلف ذلك عن مصر العروبة بعد وفاة الرئيس جمال عبدالناصر عندما نقلها انور السادات من موقع الحامي الأكبر للامة العربية إلى اول دولةٍ توقّع معاهدة الصلح والتطبيع مع العدو الصهيوني فأخرجت نفسها من الصراع العربي الصهيوني وكما نراها اليوم كمن لا حيلة ولا قوة له والفلسطينيون يُذبَحون فيكتفي النظام المصري بدور المتفرّج العاجز ليس إلا .
لقد امتلك حزب البعث العربي الاشتراكي ما يكفي من التجارب والمعاناة التي تؤكد على ان لا قيام او حياه للوحدة العربية دون اللجوء إلى الدعم الشعبي المطلوب لتحقيقها بالأساليب السلمية الديموقراطية على مستوى الوطن العربي وامتداداته ، ولعل القوى الناصرية المشبعة بفكر عبدالناصر الوحدوي العروبي هي الأقرب إلى حزب البعث العربي الاشتراكي في تقييم تجربة الوحدة وخفايا ضربها من الخارج والداخل ، سيّما بعد ان عملت اتفاقية كامب ديفيد على الغاء منجزات الناصرية دون نزعها من وجدان كل مصري عربي حرُّ شريف ، الأمر الذي يجعل المسؤوليات مضاعفة بين البعث والناصرية كجناحين أساسيين لاستنهاض الامة اليوم كنواة اساسية العاملة على توحيد القوى الحيّة الفاعلة في الامة ، كيف لا والطرفان ، البعث والناصرية يمتلكان من تجربتيهما في حكم مصر والعراق ما يؤهلانهما لذلك .

شاهد أيضاً

الشيخ مالك جديدة يستقبل المرعبي

استقبل رئيس دائرة الاوقاف الاسلامية في عكار فضيلة الشيخ مالك جديدة المهندسة رولا المرعبي التي …